
جميع البيانات المنشورة من الشركة لا تعد توصية من الشركة باتخاذ قرار استثماري معين،
والشركة غير مسئولة عن أي تبعات قانونية أو قرارات استثمارية أو خسائر تنتج عن استعمال هذه البيانات.
كشف الرئيس دونالد ترامب عن أولى الخطابات الموعودة التي تهدد بفرض معدلات أعلى من الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين رئيسيين، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا يزال منفتحًا على مفاوضات إضافية، وأرجأ تطبيق الرسوم الجديدة حتى الأول من أغسطس على الأقل.
بدأ ترامب بإرسال إشعارات يعلن فيها عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع القادمة من اليابان وكوريا الجنوبية. وتبعتها خلال فترة ما بعد الظهر (بالتوقيت الأمريكي) مجموعة أخرى من الخطابات، توضح خططًا لفرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية القادمة من شركاء تجاريين من بينهم جنوب إفريقيا وإندونيسيا وتايلاند وكمبوديا.
في وقت لاحق من ذلك اليوم في البيت الأبيض، قال ترامب إنه "في معظم الحالات" يكتفي بفرض الرسوم الجمركية، رغم أنه أشار إلى استمرار المفاوضات، بما في ذلك محادثات مع الهند التي قد تُختتم قريبًا.
وقال ترامب: "أبرمنا صفقة مع المملكة المتحدة وأبرمنا صفقة مع الصين ونحن على وشك إبرام صفقة مع الهند"، مضيفًا: "أما الآخرون الذين التقينا بهم، فلا نعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى صفقة معهم، لذا نكتفي بإرسال رسالة إليهم".
ومع ذلك، لمح الرئيس الأمريكي إلى إمكانية إجراء مفاوضات إضافية وتأجيل تنفيذ الرسوم، مشيرًا إلى أن الموعد النهائي في الأول من أغسطس "ليس نهائيًا بنسبة 100%"، ومؤكدًا انفتاحه على إمكانية تعديل معدلات الرسوم.
وقال ترامب: "ربما نجري بعض التعديلات، حسب الظروف"، موضحًا أنه سينظر بإيجابية إلى الدول التي تواصل تقديم تنازلات إضافية.
وأضاف: "لن نكون غير منصفين".
تحدث ترامب بعد وقت قصير من توقيعه على أمر تنفيذي يؤجل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة حتى الأول من أغسطس لجميع الدول التي تواجه ما يسمى بـ"الرسوم المتبادلة"، مما يمنح كل دولة متأثرة مهلة إضافية تمتد لثلاثة أسابيع لإبرام صفقة مع البيت الأبيض.
وتُمثل هذه الخطوة أحدث فصول اندفاع ترامب في ولايته الثانية لإعادة تشكيل السياسات التجارية الأمريكية — وهي حملة أصبحت مصدرًا دائمًا لعدم اليقين في الأسواق ولدى رؤساء البنوك المركزية والمديرين التنفيذيين الذين يحاولون استباق تأثير هذه التحركات على الإنتاج والمخزونات والتوظيف والتضخم والطلب الاستهلاكي.
وقد واجه ترامب ومسؤولون في البيت الأبيض تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطابات مجرد وسيلة مبتكرة لتأجيل الموعد النهائي المقرر في 9 يوليو لبدء تطبيق الرسوم المتبادلة، إلى ما بعد بداية أغسطس على الأقل. وكانت معظم نسب الرسوم التي كشف عنها ترامب عبر منصته "تروث سوشال" مطابقة لما سبق وأن أعلن ترامب أن الدول ستواجهه على الأرجح.
فقد أعلن ترامب أن السلع القادمة من ماليزيا وكازاخستان وتونس ستخضع لرسوم بنسبة 25%، بينما ستُفرض رسوم بنسبة 30% على جنوب إفريقيا، و40% على لاوس وميانمار. كما شملت القائمة إندونيسيا بنسبة 32%، وبنغلادش بنسبة 35%، وتايلاند وكمبوديا بنسبة 36%. أما البوسنة فستُفرض عليها رسوم بنسبة 30%، بينما ستواجه صربيا رسومًا بنسبة 35%.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن المزيد من الخطابات ستُرسل خلال الأيام القادمة. وقد حذّر ترامب في خطاباته الدول المعنية من الرد بالمثل، قائلاً: "إذا قررتم لأي سبب من الأسباب رفع رسومكم الجمركية، فسيُضاف مقدار الزيادة التي تحددونها مباشرة إلى المستوى المُهدد به من قبلنا".
وتُعد هذه الجولة الأحدث ضمن برنامج أدى إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق والتجارة العالمية. فبعد أسبوع واحد من إعلانه عن الرسوم الجمركية خلال فعالية في حديقة روز جاردن، عرض ترامب هدنة مدتها 90 يومًا خفّض خلالها الرسوم إلى 10% لإتاحة وقت للمفاوضات.
لكن عددًا قليلاً من الدول نجح في التوصل إلى اتفاقات خلال تلك الفترة القصيرة. وخلالها، أعلن ترامب عن اتفاقيات إطارية مع المملكة المتحدة وفيتنام، إلى جانب هدنة تجارية مع الصين.
كما أوضح ترامب أن نسب الرسوم المُعلنة لا تشمل الرسوم القطاعية الخاصة التي فرضتها إدارته أو ستفرضها لاحقًا على واردات سلع في صناعات استراتيجية. وتُعد اليابان وكوريا الجنوبية من كبار مصدّري السيارات، كما أنهما تواجهان بالفعل رسومًا أمريكية على صادراتهما من الصلب.
أما الدول الأخرى التي شملتها الجولة الأولى من الرسائل، فغالبًا ما تكون لها علاقات تجارية أقل أهمية مع الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، بلغت واردات الولايات المتحدة من ميانمار — التي توترت العلاقات معها بعد انقلاب 2021 العسكري — ما يزيد قليلًا عن 656 مليون دولار في عام 2024، وفقًا لمكتب الممثل التجاري الأمريكي.
كما تستورد الولايات المتحدة النفط الخام من كازاخستان على نحو متقطع، وكان آخر شراء في أبريل الماضي، حين استوردت نحو 33 ألف برميل يوميًا. وبلغ متوسط الواردات من كازاخستان العام الماضي نحو 38 ألف برميل يوميًا، وهو أعلى معدل في أكثر من عقدين من التعاملات غير المنتظمة.
"لماذا اليابان وكوريا أولًا؟"
وعند سؤالها عن سبب استهداف اليابان وكوريا الجنوبية أولًا، قالت المتحدثة كارولين ليفيت: "هذا من صلاحيات الرئيس"، مضيفة: "تلك هي الدول التي اختارها".
كما أكدت أن الإدارة "قريبة" من التوصل إلى اتفاقيات مع بعض الشركاء التجاريين الآخرين، مضيفة أن ترامب "يريد التأكد من أنها أفضل الصفقات الممكنة".
أسواق المال تنخفض
بعد ارتفاع تاريخي الأسبوع الماضي، تراجع مؤشر اس آند بي 500 بنسبة 0.8% في الساعة الرابعة مساءً بتوقيت نيويورك، وانخفض مؤشر ناسدك 100 بنسبة مماثلة. كما تراجعت السندات الأمريكية، خصوصًا تلك طويلة الأجل.
وارتفع الدولار إلى أعلى مستوى له في أكثر من أسبوع مقابل سلة من العملات، بينما تراجعت عملات كوريا الجنوبية وجنوب إفريقيا واليابان بأكثر من 1% أمام الدولار.
وتراجعت شهادات الإيداع الأمريكية (ADRs) لشركات صناعة السيارات اليابانية إلى أدنى مستوياتها في الجلسة عقب إعلان ترامب، حيث هبطت شهادات تويوتا بنسبة 4.3% وهوندا بنسبة 3.9%.
وواجهت العديد من الدول صعوبة في التفاوض مع ترامب ضمن هذا الجدول الزمني الضاغط. فرغم أن اليابان وكوريا الجنوبية تُعدّان من أقرب الحلفاء للولايات المتحدة في آسيا، إلا أن كليهما يواجه أوضاعًا داخلية تجعل من تقديم تنازلات في هذا التوقيت أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
فالرئيس الكوري الجنوبي لي جاي-ميونغ تولّى منصبه في 4 يونيو فقط، فيما تُجرى انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في وقت لاحق من هذا الشهر، مما جعل حكومة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا مترددة في تقديم تنازلات كبيرة.
الاتحاد الأوروبي خارج اللعبة مؤقتًا؟
أفاد مصدر مطّلع أن الاتحاد الأوروبي لم يكن يتوقّع تلقي خطاباً يحدد نسب الرسوم يوم الإثنين، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
وفي خطوة تصعيدية، هدد ترامب أيضًا بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على "أي دولة تصطف خلف السياسات المناهضة لأمريكا التي يتبناها تجمع البريكس"، في إشارة إلى التكتل الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، والتي كانت مجتمعة هذا الأسبوع في ريو دي جانيرو.
وأكدت ليفيت أن ترامب "سيتخذ أي إجراء ضروري لمنع الدول من استغلال الولايات المتحدة وشعبها".
تأتي هذه الرسوم في وقت يشعر فيه المستثمرون بالقلق من تنامي الدين العام الأمريكي، خاصة بعد أن أقرّ الكونجرس حزمة خفض ضرائب وإنفاق ضخمة بقيمة 3.4 تريليون دولار الأسبوع الماضي. وقد أدى ذلك إلى تراجع قيمة الدولار وارتفاع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل.
ورغم تأكيد ترامب مرارًا أن الدول الأجنبية هي التي تدفع الرسوم، إلا أن العبء الفعلي يقع على عاتق المستوردين الأمريكيين، الذين يواجهون ضغوطًا على هوامش أرباحهم، مما يدفعهم إما لرفع الأسعار على المستهلكين أو التفاوض على خصومات من الموردين الأجانب.
كما كتب جوناثان غولد، نائب رئيس سياسات سلاسل التوريد والجمارك في اتحاد التجزئة الوطني، عبر منصة لينكد إن يوم الجمعة: "كل تلك الإيرادات الجديدة ليست سوى ضريبة على الشركات الأمريكية".
في حفل أقيم في روز جاردن بالبيت الأبيض في الثاني من أبريل، أعلنت إدارة ترامب عن فرض رسوم جمركية أكثر حدة على أكثر من 50 شريكًا تجاريًا، وصلت في بعض الحالات إلى 50% — وهي خطوة شكلت صدمة كبيرة للتوقعات الاقتصادية وأدت إلى اضطرابات حادة في الأسواق المالية. وبعد أسبوع واحد فقط، قام الرئيس بتعليق هذه المعدلات القصوى، في محاولة واضحة لتهدئة ردود الفعل المحلية والدولية وفتح الباب أمام مفاوضات جديدة.
وتسير مسارات التفاوض بشكل مختلف بين الولايات المتحدة وأكبر ثلاثة شركاء تجاريين لها — المكسيك وكندا والصين. فبينما توصلت بكين وواشنطن إلى هدَنات متبادلة خفّضت الرسوم الجمركية التي كانت قد وصلت إلى 145% على بعض السلع الصينية، وقلّصت القيود المفروضة على تصدير الإمدادات الحيوية، فإن المكسيك وكندا، باعتبارهما شريكين في اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA)، ليستا خاضعتين للرسوم "المتبادلة". وبدلاً من ذلك، تسعى الدولتان للتفاوض على تخفيضات في الرسوم الجمركية القطاعية التي فرضتها إدارة ترامب.
ورغم التراجع من ذروته في أبريل، لا يزال مؤشر بلومبرج ايكونوميكس لعدم اليقين التجاري في الولايات المتحدة أعلى مما كان عليه عندما انتُخب ترامب في نوفمبر، ما يعكس استمرار توتر الأسواق.
التحديات القانونية تلوح في الأفق
وإلى جانب التقلبات في الأسواق والضغوط الاقتصادية، تواجه الرسوم الجمركية المتبادلة تحديات قانونية جدّية، إذ أعلن ترامب تلك الرسوم استنادًا إلى سلطاته التنفيذية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA). لكن في 28 مايو، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية بأن غالبية هذه الرسوم قد تم فرضها بشكل غير قانوني بموجب هذا القانون، وأمرت بحظر تطبيقها. وبعد يوم واحد فقط، منحت محكمة استئناف الإدارة مهلة مؤقتة بتجميد تنفيذ القرار، وسمحت ببقاء الرسوم قائمة حتى تنظر في القضية، وحددت جلسة المرافعات ليوم 31 يوليو.
ورغم هذه التحديات، تتحرك إدارة ترامب لاستخدام صلاحية رئاسية أخرى لفرض الرسوم، وهي المادة 232 من قانون توسيع التجارة، والتي تسمح بفرض رسوم لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي". وقد استُخدمت بالفعل لفرض رسوم على قطاعات مثل السيارات، والصلب، والألمنيوم.
وقد شدّد ترامب على أن الرسوم الأخيرة "منفصلة تمامًا عن جميع الرسوم القطاعية".
أحد مصادر التوتر الإضافية بين ترامب والمؤسسات الاقتصادية يتمثل في العلاقة المتوترة مع الاحتياطي الفيدرالي.
فرئيس البنك المركزي الأمريكي، جيروم باول، امتنع هذا العام عن خفض أسعار الفائدة — رغم الضغوط المكثفة من ترامب، التي شملت هجمات لفظية وانتقادات شخصية — وذلك جزئيًا من أجل تقييم ما إذا كانت الزيادات في الأسعار الناتجة عن الرسوم الجمركية قد تتحوّل إلى ضغوط تضخمية أكثر استدامة تُهدد القدرة الشرائية للمواطنين.
وفقًا لتقديرات بلومبرج إيكونوميكس، فإن رفع جميع الرسوم "المتبادلة" إلى مستوياتها القصوى المعلنة في 9 يوليو، سيؤدي إلى ارتفاع متوسط الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأمريكية إلى حوالي 20% مقارنة بأقل من 3% عند تولي ترامب الرئاسة في يناير 2017.
هذه القفزة ستزيد من مخاطر التباطؤ الاقتصادي وارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، في وقت حساس تمر فيه الأسواق بحالة عدم يقين.
وفي مذكرة يوم الأحد، كتب تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في "أبولو غلوبال مانجمنت"، أن: "بين الرسوم المرتفعة وأسعار النفط والقيود المفروضة على الهجرة في الولايات المتحدة، الخلاصة هي أننا سنشهد ارتفاعًا في التضخم خلال الأشهر المقبلة".
خبرة أكثر من 15 عام في التحليل الأساسي (الإخباري والاقتصادي) لأسواق المال العالمية ومتابعة تطورات الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى قرارات البنوك المركزية
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.